قصص أدبية جميلة
الاصحابمرحبا بك يا {الاصحاب} في منتديات الاصحاب :: .:+::][ منتديات الأدب والـشـعـر ][::+:. :: القصص والروايات منتدى القصص الواقعية و الأدبية و الحكاية الشعبية .
صفحة 1 من اصل 1
قصص أدبية جميلة
ولادة... قصة قصيرة
لم يكن تنظيف تلك الآنية المتناثرة على رخام حوض الأطباق بالعمل المعجز، لكنها آثرت الجلوس طويلا إلى طاولة المطبخ، ندى تعطي الفرصة لبصرها ليقتحم النافذة التي تعلو فوق الصنبور بمسافة عالية، لينطلق باحثا عن شيء ما.
اعتادت عيناها أن تغرقا بالدموع وجهها منذ شهور متتالية، لقد غدت بين ليلة وضحاها من أصحاب المآسي.
زوجُ مفقود الأثر، وأمّه العجوز أصبحت بعد فقدانه في رعاية ندى، وحملها الثقيل... جنين قد كبر وقد يخرج للدنيا ولا يرى الوالد المفقود، هم لا يعرفون إن كان حيا أو ميتا، هو للموت أقرب منه للحياة.
مررت يدها على بطنها، وكأنها تمسح بيد مشبعة حنانا على جبين طفلها، تهديه ألما.. و دمعا... تحمله قبل مواسم المهود هما، أغمضت جفنيها، وأسقطت دمعا ممتزجا بألم وأمل.
تناولت بيدها مشبك الشعر الصغير، ورفعت أطراف الغرة منها، وضمتها به، ثم عادت لتغسل الآنية، لعلها تجد في ذاك ملهى عن الهم.
تذكرت ذلك اليوم الذي لا يغيب، كانت تكلم زوجها عبر الهاتف المحمول، كانت تستعجله بالعودة، تخبرها عن خبر سار سعيد لن تفصح عنه إلا بعد أن يعود للمنزل، تعرف أنه انتظر ذاك الخبر منذ سنتين... لا تود لموجات المحمول أن تسبقها تريد أن تخبره وجها لوجه، أن ترى السعادة ترتسم على وجهه.. أن تعيش تلك اللحظات بكل جزء من ثانية فيها.
أجابها:
- حالا حبيبتي... لكن بعد أن أؤمن بعض الأغراض للبيت.
- سأكون بانتظارك... كما كنت دوما.
أقفلا المكالمة، ولم يدر هو أن الطريق كما يحمل المنحنيات والمفترقات، إنما يحمل أشياء أخرى لا يمكن الاعتراض عليها، مدونة في سجلات القدر، توقفت إلى جانبه سيارة سوادء.. وترجل منها أربعة من مفتولي العضلات، أدخلوه عنوة إلى السيارة، اختطاف في وضح النهار، لم تنفع محاولات المقاومة وخاب أمله في أن يجرء أحد ويتقدم لمساعدته.
تناثرت أكياس المشتريات خضرواتها وكل شيء. تدحرجت حبات الطماطم بعضها أردته إطارات السيارة السوداء هريسا.. ممتزجا بزيت السيارات وسواد الأسفلت.
لم يعرف بحملها، وهم وصلهم الخبر... ارتبكوا صرخوا فتشوا ونقبوا في كل ناحية، ولكن دون جدوى.
منذ سبعة شهور ينتظرون عودته على غير أمل، مات الأمل ونبتت على دمنته دمعة.
أمه تحتفظ بصورته.. تخرجها بين حين وآخر، تردد آهاتها، وتدعو الله أن يرد ولدها الغريب، وتدعو لندى بالسلامة ولابنها المنتظر بطول الحياة.
أغلقت ندى صنبور المياه الذي كانت تتخيل دائم أنه بصوته ساخط على الظلمة، جففت يديها الممتلئتين ماء وصابونا، أمسكت بيدها طرف الحوض، وقطبت جبينها وعضت على شفاها... ألم مفاجىء ليس كألم الشهور السابقة، هل حان موعد الولادة؟ هل سيأتي المولود في هذا اليوم ؟ ليس هناك متسع للتفكير، أطلقت صرخات عديدة وبكت، وامتزج ألمان في دمعها ألم الولادة والفقد.
هرعت أم زوجها إليها... تساندها رغم ضعفها، أوصلتها إلى أقرب مكان يمكن أن تستند إليها ريثما تخبر جارتهم لترافقهما إلى المشفى، تناولت حقيبة المولود من أحد أركان الغرفة مقشورة الطلاء، وفي غضون لحظات حضرت السيارة التي ستقلهم إلى المشفى وانطلقوا يحلمون بحياة جديدة تخرج من بين الألم.
وفي قسم الولادة حيث لا تسمع إلا أصوات الوالدات وصرخات الأطفال المصدومين بالحياة للتو، كان عليها أن تقوم بدورها بجدارة، أن تقاسي نفس الألم كما هو حال النساء من بدء الخليقة إلى يومهن هذا.
وبين كل ذلك لم يخطر ببالها أن غريبا قد خرج، أطلقوا سراحه، بعد أن أدين بكلمة حق قالها ودفع ثمنها كثيرا.
عاد للمنزل بأعجوبة، طرق الباب فلم يجبه أحد، وتسرب الخوف إلى فؤاده.
لقد كان يفكر كثيرا في سجنه عندما كان بين أيدي جلاديه... بينما كانت ترتسم لوحات الطغيان على جسده عندما يلقي معذبوه بالسياط على جلده، كان يصيح ألما ويملأ أركان المكان بضجيج فلا يشفي غليلهم بل يزيدهم طغيانا إلى طغيانهم.
كان يفكر... هل أخذوا واجب العزاء فيّ؟ أهلي.. هل تقبلوا فكرة موتي؟
كم مرة نام عطشانا، في أحضان البرد يستجدي عطفه رغم قسوته ولسعاته، فهو يعلم أنه رغم كل ذلك أرحم من تعنت هؤلاء.
عاد.. لم يجد أحدا، ونزل السلم على غير هدف. وقبل أن يدير ظهره للمكان، انفتح باب الجيران وأطل منه رأس جارهم الأبيض الذي كان غارقا في النوم على الأريكة.
فرك عينيه، متأكدا من هوية الشخص الذي أمامه، ابتسم بانفعال وقال:
- أعدت ؟!.... عدت يا غريب، لقد فقدنا الأمل بعودتك.
- قال بصوته الأبح المألوف... نعم لقد عدت ، كأنه لا يصدق ذلك أيضا.
صمتا ولكن غريب سأله بلهفة :
- قل لي بالله عليك... أين أهل بيتي.
- آه... نعم.. نعم ، عليك أن تشرفني للداخل لأشرح لك الموضوع، ادخل.. سأطمئنك إن شاء الله.
أخبره بما كان عليه حال أهله، بما جرى في غيبته، أعلمه بأن زوجته في المشفى منذ الصباح، وأنه لا بد وقد أصبح الآن أبا.
دمعت عينا غريب اللتين لم تبكيا قط في موضع ذلة،،،، لم تبكيا إلا في مواضع العزة حتما.
ذهب إلى المشفى بصحبة جاره، أشعثا أغبرا، ليشاهد أحبابه دفعة واحدة.
التقى بوالدته في الممر وأكب على يديها ورأسها مقبلا، بكيا معا، رفعت يديها حمدا لله وثناء... بشرته بطفل كالقمر في حضن أمه في الغرفة المقابلة.
همّ أن يدخل إليهما... عارضه الجميع، ندى في وضع لا يسمح لها بتلقى الصدمات، عليهم تخفيفها ولو كانت مفرحة.
دخلت إليها جارتهم... كلمتها، وأثنت على جمال الطفل الرضيع.
- ما شاء الله... حمد لله على السلامة .ماذا قررت أن تسميه؟
- أشكرك على صنيعك معنا، جزاك الله خيرا ..لم أقرر بعد بماذا أسميه.
- ما رأيك لو أخذنا رأي والده؟
خفق قلبها لذكره...
- والده.. آآآآآآه وأين والده.... ( بصوت متحشرج ومبحلقة بعينين دامعتين)
انفتح الباب وكان هو، بشحمه ولحمه ، ابتسم ابتسامته المعهودة التي لم تغيّبها عن الخاطر سبع شهور متوالية، ولكن مع عدة كدمات على جبهته تتراوح بين القديم والحديث، استمر قلبها بالخفقان و وأطلقت لدمعها العنان... حتى الطفل الصغير بكى.
تقدم نحوها مقبلا جبهتها، ممسكا يدها.
- خفت ألا تعود، قطع ذاك الاتصال أملي ..أصوات الرصاص لا زالت ترن في أذني ممتزجا بصوت الخاطف يهددنا ويتوعدنا .
- كانت تلك لعبة منهم عزيزتي، أرادوا تعذيبنا جميعا... لكنهم تركوني وشأني الآن، فقد شتت الله شملهم،،، ناوليني ولدي.
نظر إليه، قبله بحنان، قرّبه إليه، أذن في اليمنى ،،،،، أقام في اليسرى. هدأ الطفل.
وهدأت قلوبهم... آملين أن يوصدوا باب الأحزان.
سناء عليوي
لم يكن تنظيف تلك الآنية المتناثرة على رخام حوض الأطباق بالعمل المعجز، لكنها آثرت الجلوس طويلا إلى طاولة المطبخ، ندى تعطي الفرصة لبصرها ليقتحم النافذة التي تعلو فوق الصنبور بمسافة عالية، لينطلق باحثا عن شيء ما.
اعتادت عيناها أن تغرقا بالدموع وجهها منذ شهور متتالية، لقد غدت بين ليلة وضحاها من أصحاب المآسي.
زوجُ مفقود الأثر، وأمّه العجوز أصبحت بعد فقدانه في رعاية ندى، وحملها الثقيل... جنين قد كبر وقد يخرج للدنيا ولا يرى الوالد المفقود، هم لا يعرفون إن كان حيا أو ميتا، هو للموت أقرب منه للحياة.
مررت يدها على بطنها، وكأنها تمسح بيد مشبعة حنانا على جبين طفلها، تهديه ألما.. و دمعا... تحمله قبل مواسم المهود هما، أغمضت جفنيها، وأسقطت دمعا ممتزجا بألم وأمل.
تناولت بيدها مشبك الشعر الصغير، ورفعت أطراف الغرة منها، وضمتها به، ثم عادت لتغسل الآنية، لعلها تجد في ذاك ملهى عن الهم.
تذكرت ذلك اليوم الذي لا يغيب، كانت تكلم زوجها عبر الهاتف المحمول، كانت تستعجله بالعودة، تخبرها عن خبر سار سعيد لن تفصح عنه إلا بعد أن يعود للمنزل، تعرف أنه انتظر ذاك الخبر منذ سنتين... لا تود لموجات المحمول أن تسبقها تريد أن تخبره وجها لوجه، أن ترى السعادة ترتسم على وجهه.. أن تعيش تلك اللحظات بكل جزء من ثانية فيها.
أجابها:
- حالا حبيبتي... لكن بعد أن أؤمن بعض الأغراض للبيت.
- سأكون بانتظارك... كما كنت دوما.
أقفلا المكالمة، ولم يدر هو أن الطريق كما يحمل المنحنيات والمفترقات، إنما يحمل أشياء أخرى لا يمكن الاعتراض عليها، مدونة في سجلات القدر، توقفت إلى جانبه سيارة سوادء.. وترجل منها أربعة من مفتولي العضلات، أدخلوه عنوة إلى السيارة، اختطاف في وضح النهار، لم تنفع محاولات المقاومة وخاب أمله في أن يجرء أحد ويتقدم لمساعدته.
تناثرت أكياس المشتريات خضرواتها وكل شيء. تدحرجت حبات الطماطم بعضها أردته إطارات السيارة السوداء هريسا.. ممتزجا بزيت السيارات وسواد الأسفلت.
لم يعرف بحملها، وهم وصلهم الخبر... ارتبكوا صرخوا فتشوا ونقبوا في كل ناحية، ولكن دون جدوى.
منذ سبعة شهور ينتظرون عودته على غير أمل، مات الأمل ونبتت على دمنته دمعة.
أمه تحتفظ بصورته.. تخرجها بين حين وآخر، تردد آهاتها، وتدعو الله أن يرد ولدها الغريب، وتدعو لندى بالسلامة ولابنها المنتظر بطول الحياة.
أغلقت ندى صنبور المياه الذي كانت تتخيل دائم أنه بصوته ساخط على الظلمة، جففت يديها الممتلئتين ماء وصابونا، أمسكت بيدها طرف الحوض، وقطبت جبينها وعضت على شفاها... ألم مفاجىء ليس كألم الشهور السابقة، هل حان موعد الولادة؟ هل سيأتي المولود في هذا اليوم ؟ ليس هناك متسع للتفكير، أطلقت صرخات عديدة وبكت، وامتزج ألمان في دمعها ألم الولادة والفقد.
هرعت أم زوجها إليها... تساندها رغم ضعفها، أوصلتها إلى أقرب مكان يمكن أن تستند إليها ريثما تخبر جارتهم لترافقهما إلى المشفى، تناولت حقيبة المولود من أحد أركان الغرفة مقشورة الطلاء، وفي غضون لحظات حضرت السيارة التي ستقلهم إلى المشفى وانطلقوا يحلمون بحياة جديدة تخرج من بين الألم.
وفي قسم الولادة حيث لا تسمع إلا أصوات الوالدات وصرخات الأطفال المصدومين بالحياة للتو، كان عليها أن تقوم بدورها بجدارة، أن تقاسي نفس الألم كما هو حال النساء من بدء الخليقة إلى يومهن هذا.
وبين كل ذلك لم يخطر ببالها أن غريبا قد خرج، أطلقوا سراحه، بعد أن أدين بكلمة حق قالها ودفع ثمنها كثيرا.
عاد للمنزل بأعجوبة، طرق الباب فلم يجبه أحد، وتسرب الخوف إلى فؤاده.
لقد كان يفكر كثيرا في سجنه عندما كان بين أيدي جلاديه... بينما كانت ترتسم لوحات الطغيان على جسده عندما يلقي معذبوه بالسياط على جلده، كان يصيح ألما ويملأ أركان المكان بضجيج فلا يشفي غليلهم بل يزيدهم طغيانا إلى طغيانهم.
كان يفكر... هل أخذوا واجب العزاء فيّ؟ أهلي.. هل تقبلوا فكرة موتي؟
كم مرة نام عطشانا، في أحضان البرد يستجدي عطفه رغم قسوته ولسعاته، فهو يعلم أنه رغم كل ذلك أرحم من تعنت هؤلاء.
عاد.. لم يجد أحدا، ونزل السلم على غير هدف. وقبل أن يدير ظهره للمكان، انفتح باب الجيران وأطل منه رأس جارهم الأبيض الذي كان غارقا في النوم على الأريكة.
فرك عينيه، متأكدا من هوية الشخص الذي أمامه، ابتسم بانفعال وقال:
- أعدت ؟!.... عدت يا غريب، لقد فقدنا الأمل بعودتك.
- قال بصوته الأبح المألوف... نعم لقد عدت ، كأنه لا يصدق ذلك أيضا.
صمتا ولكن غريب سأله بلهفة :
- قل لي بالله عليك... أين أهل بيتي.
- آه... نعم.. نعم ، عليك أن تشرفني للداخل لأشرح لك الموضوع، ادخل.. سأطمئنك إن شاء الله.
أخبره بما كان عليه حال أهله، بما جرى في غيبته، أعلمه بأن زوجته في المشفى منذ الصباح، وأنه لا بد وقد أصبح الآن أبا.
دمعت عينا غريب اللتين لم تبكيا قط في موضع ذلة،،،، لم تبكيا إلا في مواضع العزة حتما.
ذهب إلى المشفى بصحبة جاره، أشعثا أغبرا، ليشاهد أحبابه دفعة واحدة.
التقى بوالدته في الممر وأكب على يديها ورأسها مقبلا، بكيا معا، رفعت يديها حمدا لله وثناء... بشرته بطفل كالقمر في حضن أمه في الغرفة المقابلة.
همّ أن يدخل إليهما... عارضه الجميع، ندى في وضع لا يسمح لها بتلقى الصدمات، عليهم تخفيفها ولو كانت مفرحة.
دخلت إليها جارتهم... كلمتها، وأثنت على جمال الطفل الرضيع.
- ما شاء الله... حمد لله على السلامة .ماذا قررت أن تسميه؟
- أشكرك على صنيعك معنا، جزاك الله خيرا ..لم أقرر بعد بماذا أسميه.
- ما رأيك لو أخذنا رأي والده؟
خفق قلبها لذكره...
- والده.. آآآآآآه وأين والده.... ( بصوت متحشرج ومبحلقة بعينين دامعتين)
انفتح الباب وكان هو، بشحمه ولحمه ، ابتسم ابتسامته المعهودة التي لم تغيّبها عن الخاطر سبع شهور متوالية، ولكن مع عدة كدمات على جبهته تتراوح بين القديم والحديث، استمر قلبها بالخفقان و وأطلقت لدمعها العنان... حتى الطفل الصغير بكى.
تقدم نحوها مقبلا جبهتها، ممسكا يدها.
- خفت ألا تعود، قطع ذاك الاتصال أملي ..أصوات الرصاص لا زالت ترن في أذني ممتزجا بصوت الخاطف يهددنا ويتوعدنا .
- كانت تلك لعبة منهم عزيزتي، أرادوا تعذيبنا جميعا... لكنهم تركوني وشأني الآن، فقد شتت الله شملهم،،، ناوليني ولدي.
نظر إليه، قبله بحنان، قرّبه إليه، أذن في اليمنى ،،،،، أقام في اليسرى. هدأ الطفل.
وهدأت قلوبهم... آملين أن يوصدوا باب الأحزان.
سناء عليوي
ياسمين جوما- عدد الرسائل : 5
تاريخ التسجيل : 10/12/2014
رد: قصص أدبية جميلة
حب في دار المسنين
كان دائما ما يقول: «لماذا لم نلتقِ فى الوقت المناسب قبل هذا اليوم بخمسين عاما؟». وكانت تصمت أحيانا أو تبتسم ابتسامة مذنبة، أو تتمتم شيئا عن القدر والرضا بالنصيب، فيسكت مُحرجا. ينظر إليها فى خوف ويقول: «هل كان ممكنا أن نلتقى فى ربيع العمر ولا يقع أحدنا فى غرام الآخر؟». وكالعادة لا ترد. لا تعرف إجابات. كثيرا ما توجد أسئلة بلا إجابات.
كان مشهدهما معا يثير الشجون. يجلسان فى الحديقة الصغيرة الملحقة بدار المسنين، ينتحيان ركنا، ينفردان، يتهامسان، يبتسمان لمداعبات الزملاء فى بيت المسنين. عاشقان فى السبعينيات، الشعر سبيكة فضة، والقلب رغيف ساخن، والعمر مكعب ثلج يوشك أن يذوب، لكن هناك البهجة، وعذوبة البدايات، والاكتشافات المتبادلة التى ترافق قصص الحب وتجعلها تستيقظ فى الصباح فرحة، وكأنها بنت العشرين.
لم يكن أحدهما يدرى أن القدر كتب لهما موعدا مع الحب فى دار المسنين. ماتت زوجته فبكاها بصدق عند وفاتها. ومات زوجها فبدا لها العمر صحراء شاسعة بلا ينابيع. حتى لقاؤهما الذى رتبته الأقدار كان فى بيت المسنين.
فى البدء كانت تبكى باستمرار، ولما كان قد سبقها فى الالتحاق بالدار، فقد تحرك فى قلبه العطف عليها، وبدأ يواسيها ويشد من أزرها، لكنه كسب قلبها حين أصبح يضحكها! روحه المرحة أصابتها بالعدوى، فبدأت تفتش عن مائدته لتتناول معه الإفطار، بعد أيام صارت تتناول معه وجبتى الغداء والعشاء. بعدها صارا لا يفترقان إلا عند موعد النوم.
كانا سعيدين حقا لولا حسرته الدائمة لأنهما لم يلتقيا فى شباب العمر، حينما كان يصعد سلالم الدرج دفعة واحدة، ويأكل ما يشاء دون أن يخشى سوء الهضم، وحينما ينام لا يشك أنه سيستيقظ فى الصباح التالى.
وفى كل مرة تبتسم فى تسامح، وتقول له فى صبر: «أقدارنا تملكنا ولا نملكها، وطريقنا المحدد سلفا سنسير عليه شئنا أم أبينا، أليس جائزا أننا كنا نتقابل ولا ألفت انتباهك؟».
نتلاقى ولا نقع فى الحب؟، يقول لهما بحزم: مستحيل.
يهز رأسه فى إصرار. ويجد السلوى فى الصور القديمة. صور الأبيض والأسود، وكأنه يريد أن يعوض ما فاته من الحب. كم كانت جميلة حقا فى أزياء الخمسينيات! نضرة، وأنيقة وطاغية الحضور! لكنه قليل الحظ.
والذى حدث بعدها لا يُصدق. كان يتأمل فى إحدى الصور فشحب وجهه وارتجفت يداه. أمعن النظر فوجد مجموعة من الرجال والسيدات يرتدون أزياء الخمسينيات فى نزهة خلوية ويبتسمون. قرب المنتصف تقف حبيبته وهى تضحك مستندة على كتف امرأة أخرى. أما المدهش الذى لا يصدقه عقل، أنه- بشحمه ولحمه- يقف فى طرف الصورة ناظرا إلى الكاميرا فى غير اهتمام!
ومنذ ذلك الحين لم يعد بوسعه أن يردد نفس السؤال الحائر: «لماذا لم نلتق فى الوقت المناسب?
بقلم: علاء مرداوي
كان دائما ما يقول: «لماذا لم نلتقِ فى الوقت المناسب قبل هذا اليوم بخمسين عاما؟». وكانت تصمت أحيانا أو تبتسم ابتسامة مذنبة، أو تتمتم شيئا عن القدر والرضا بالنصيب، فيسكت مُحرجا. ينظر إليها فى خوف ويقول: «هل كان ممكنا أن نلتقى فى ربيع العمر ولا يقع أحدنا فى غرام الآخر؟». وكالعادة لا ترد. لا تعرف إجابات. كثيرا ما توجد أسئلة بلا إجابات.
كان مشهدهما معا يثير الشجون. يجلسان فى الحديقة الصغيرة الملحقة بدار المسنين، ينتحيان ركنا، ينفردان، يتهامسان، يبتسمان لمداعبات الزملاء فى بيت المسنين. عاشقان فى السبعينيات، الشعر سبيكة فضة، والقلب رغيف ساخن، والعمر مكعب ثلج يوشك أن يذوب، لكن هناك البهجة، وعذوبة البدايات، والاكتشافات المتبادلة التى ترافق قصص الحب وتجعلها تستيقظ فى الصباح فرحة، وكأنها بنت العشرين.
لم يكن أحدهما يدرى أن القدر كتب لهما موعدا مع الحب فى دار المسنين. ماتت زوجته فبكاها بصدق عند وفاتها. ومات زوجها فبدا لها العمر صحراء شاسعة بلا ينابيع. حتى لقاؤهما الذى رتبته الأقدار كان فى بيت المسنين.
فى البدء كانت تبكى باستمرار، ولما كان قد سبقها فى الالتحاق بالدار، فقد تحرك فى قلبه العطف عليها، وبدأ يواسيها ويشد من أزرها، لكنه كسب قلبها حين أصبح يضحكها! روحه المرحة أصابتها بالعدوى، فبدأت تفتش عن مائدته لتتناول معه الإفطار، بعد أيام صارت تتناول معه وجبتى الغداء والعشاء. بعدها صارا لا يفترقان إلا عند موعد النوم.
كانا سعيدين حقا لولا حسرته الدائمة لأنهما لم يلتقيا فى شباب العمر، حينما كان يصعد سلالم الدرج دفعة واحدة، ويأكل ما يشاء دون أن يخشى سوء الهضم، وحينما ينام لا يشك أنه سيستيقظ فى الصباح التالى.
وفى كل مرة تبتسم فى تسامح، وتقول له فى صبر: «أقدارنا تملكنا ولا نملكها، وطريقنا المحدد سلفا سنسير عليه شئنا أم أبينا، أليس جائزا أننا كنا نتقابل ولا ألفت انتباهك؟».
نتلاقى ولا نقع فى الحب؟، يقول لهما بحزم: مستحيل.
يهز رأسه فى إصرار. ويجد السلوى فى الصور القديمة. صور الأبيض والأسود، وكأنه يريد أن يعوض ما فاته من الحب. كم كانت جميلة حقا فى أزياء الخمسينيات! نضرة، وأنيقة وطاغية الحضور! لكنه قليل الحظ.
والذى حدث بعدها لا يُصدق. كان يتأمل فى إحدى الصور فشحب وجهه وارتجفت يداه. أمعن النظر فوجد مجموعة من الرجال والسيدات يرتدون أزياء الخمسينيات فى نزهة خلوية ويبتسمون. قرب المنتصف تقف حبيبته وهى تضحك مستندة على كتف امرأة أخرى. أما المدهش الذى لا يصدقه عقل، أنه- بشحمه ولحمه- يقف فى طرف الصورة ناظرا إلى الكاميرا فى غير اهتمام!
ومنذ ذلك الحين لم يعد بوسعه أن يردد نفس السؤال الحائر: «لماذا لم نلتق فى الوقت المناسب?
بقلم: علاء مرداوي
ياسمين جوما- عدد الرسائل : 5
تاريخ التسجيل : 10/12/2014
رد: قصص أدبية جميلة
المهاجرة
احمد حامد صرصور
عمل عتالا في ميناء يافا، يافا ما قبل النكبة، يافا العرب، يافا بساتين الحمضيات، يافا الاستجمام، يافا البحر.
كان كل يوم يسبق الشمس في الظهور على الرصيف. تراه واقفا ينتظر رزقه، ينتظر ما تجود عليه السماء في هذا الميناء.
أطراف دمايته المخططة مقفوعة للخلف لتظهر سرواله الأبيض، وعلى رأسه يحمل رمز العروبة الكوفية البيضاء. يقف شامخ الرأس معتقدا أن هذا الرمز يحميه من أخطار المستقبل المجهول. لن يستطيع احد أن يزحزحه عن بيته ما دامت هذه العروبة على رأسه.
تزوج ثم أنجب طفلة رائعة الجمال، ممشوقة الجسد، رفيعة الوسط، طولها فارع، رأسها عانق جنوب لبنان، ارجلها امتدت لتطال البحر الأحمر، تحتضن بحر يافا، قلبها حنون تشد إليه الرحال.
طلبوا منه أن يدعوها يافا. أجابهم: كلا هذه اكبر من ذلك.هذه ابنه هذا الرمز وأشار إلى رأسه.إنها فلسطين. فلسطين العروبة.
لم يدم الحال أكثر من سنة وإذا بيافا الصامدة أول من تسقط في أيدي المغتصبين لتهوي خلفها اللد والرملة ويصبح اسمها "يافو".
هجرها أهلها بعد حرب حامية الوطيس، استعمل فيها المحتل اعتى أنواع الاسلحه الفتاكة، انه يبحث عن ارض بلا شعب لشعب بلا ارض.
رحل عنها أهلها يحملون معهم مفاتيح بيوتهم. وهاجر أبو فلسطين، هاجر هو وزوجته ولم يتسنى لهما أن يأخذا فلسطين معهما. لقد اضطرا إلى الرحيل بدونها. تركوها لوحدها في البيت. اعتقد أبو فلسطين أن أمها حملتها وخرجت بها. واعتقدت أم فلسطين أن أباها فعل ذلك. لم يتنبها إلى عدم وجودها معهما إلا بعد أن تركوا يافا. لقد أراد العودة لإحضارها لكن أزيز الرصاص ودوي القنابل منعه من ذلك. رحلا على أمل العودة بعد عدة أيام.
تركوا أراضي فلسطين النكبة ولجئوا مع اللاجئين إلى مخيم يقع في أراضي فلسطين النكسة مستقبلا. ينتظرون العودة، فهذه الأيام المعدودة والموعودة طالت على مدار تسعة عشر سنة
كان أبو فلسطين يعد الايام والشهور والسنين لهذه العودة. انه يعيش أسوأ حالات العمر وكل هذا من اجل عيونك يا فلسطين. كان يذهب لأقرب نقطة على الحدود قبالة يافا وكانت سفاح الجبال الشرقية لكفرقاسم وينظر إلى الغرب، إلى هناك حيث ترك ابنته فلسطين. ويناجيها من بعيد. ما عساك فاعلة يا ابنتي، إني اشتم رائحتك أيتها الحورية، صبرا يا ابنتي سيعيدك هذا الرمز إلى أحضاني (وأشار بيده على رأسه).
مرت السنوات في مخيلة أبي فلسطين متزاحمة يناجي ابنته من الحدود الشرقية واذناه مرهفة السمع للمذياع، مذياع الرمز مذياع صوت العرب الذي كان يصرخ ليل نهار: إنا راجعون إنا راجعون. لن نتأخر..... فلسطين. وهذا كان سلوان أبي فلسطين، كان المخدر الذي يهدئ أعصابه.
ومضت تسعة عشر سنوات، دقت طبول الحرب وارتفعت شعارات رمز العروبة. هنيئا لك يا سمك، يا أبا خالد يا حبيب..بكرة سندخل تل أبيب... وخرجت صواريخ الظافر والقاهر من المذياع فقط لتدق المحتل، وتهيىء الطريق لعودة أبي فلسطين، الذي هرع إلى مكان المناجاة على الحدود. يهتف باسم العروبة وكله شوق وحنين لمعانقة فلسطين، يحمل في يده المذياع الذي كان يبث له بشرى عودة فلسطين إلى أحضانه ولكن.......سرعان ما انطفأت ابتسامته ......ما هذا المذياع اللعين، يصرخ بأعلى صوته إننا منتصرون، وعيناي ترى المحتل يحدث لنا النكسة. من الصادق أنا أم هذا الصندوق اللعين؟
رفع أبو فلسطين صندوق العروبة الكاذبة بكلتا يديه إلى أعلى، ورمى به بكل ما أوتي من قوة إلى هاوية التاريخ. لم يتأثر أبو فلسطين من الصدمة. وليكن نكبة.....ونكسة..... ولا مانع أن يكون أكثر من هذا....... فانا صابر ومرابط.
انتهت حرب النكسة. وصحى اامنكوسون من ذهولهم. واستصدر المسكين أبو فلسطين تصريح زيارة له ولزوجته من السلطات المختصة لزيارة بيته في يافا، للبحث عن ابنته فلسطين.
تسعة عشر عام خلت والحنين والشوق يلازمه لمعانقة ابنته. وهاهو الآن يعود لأراضي النكبة. ليس منتصرا بل بعطف السلطات وتكرمهم عليه. سار في شوارع فلسطين وعيناه تتلقف كل شجرة، بيت، جبل، سهل. يحاول أن يجمع في مخيلته ذكريات مرّ بها هذه البلد الفلانيه. يا للعجب إنها أطلال!!!!! أين سكانها؟ وكان يجيب نفسه بنفسه. إنهم سكان مخيم الفارعة. وتلك القرية سكان مخيم الجلزون. وتلك وتلك وتلك....
أقبلت السيارة على مشارف مدينة يافا، وكان متخيلا انه سيشم رائحة أشجار الحمضيات. لكن هيهات!!!!!!! كيف ذلك وقد قطعت، ونبت على أنقاضها بيوت مدينة تل أبيب.
بدأت السيارة تغوص في أعماق يافا، واعين أبو فلسطين وزوجته تتنقلان ذات الشمال وذات اليمين. ليستوعبا ما حل ليافا في التسعة عشر سنة الماضية. يحاولا رؤية كل منظر وربطه بسلسلة الذكريات، فكانا في كل لحظة يطلبان من السائق التمهل.
هاهي رائحة البحر ما زال يروجها من حوله، انه اقوي من جبروتهم. هاهو برج ساعة يافا ما زال صامدا أمام أمواج البحر، يرقب المسجد الكبير الذي تحول لمركز شرطة مخمرة ومتاجر. تحولت أسماء الشوارع إلى العبرية، فأصبح شارع يافا الرئيس "ييفت"
وفجأة صرخ أبو فلسطين في اتجاه السائق " ادخل من هنا!!!! ادخل من هنا!!!!!!! هذا الزقاق يؤدي إلى حينا. هاهو مرتع الطفولة وراعي الشباب . هنا أقيمت أفراح زواجي سبعة أيام. قف أيها السائق فخلف هذه البناية يقع بيتي ولا أريد أن آتيه راكبا.
ترجل أبو فلسطين واقفا غير واقف فقد بدلت كل أعضاء جسمه وظائفها. القلب يخفق بشدة، الارجل لا تستطيع حمله، الأيدي ترتجف والعين تذرف الدموع. في هذه اللحظة بعث البحر بهوائه ليعانق ذلك الصديق القديم، فأصابه بقشعريرة باردة اصطكت لها الأسنان وارتجفت الابدان.
سارت الارجل تحمل ما عليها من جثث في اتجاه القلب المنشود والبيت الموعود. لطالما حلم برؤيته وهو في مكان المناجاة. هاهو الآن على بعد خطوات معدودة عن اعز ما ملك. في أي حال سيرى بيته؟ وأين سيجد ابنته؟
ما أن أصبح البيت في مرمى النظر حتى رأيت أبي فلسطين يركض في اتجاهه. فقد شحن بقوة غير طبيعية استمدها من قوة صموده. وصل البيت ليخرج مفتاحه ويلجه في باب بيته. لكن المفتاح يأبى الدخول. تغير مصراع الباب، فليس باستطاعته الانتظار كل هذه المدة.
فتح الباب بعد طرقه وأجابه صوت المستعمر. نعم من أنت؟ وماذا تريد؟
تلعثم أبو فلسطين في الاجابه التي سرعان ما جاءت. أنا صاحب هذا البيت. ضحك المستعمر بقهقه جعلت أبو فلسطين يتذكر أزيز الرصاص ودوي قنابل التهجير. انه لا يستطيع عمل شيء سوى أن يكتم مشاعره، انه الآن لا يريد البيت بل ابنته.
سمح المستعمر للضيوف بالدخول، ليس محبة بهم بل ليعطيهم فرصه اشفاء الغليل برؤية بيتهم، على أن لا يعودوا مرة أخرى وبعد أن تأكد من حملهم تصريح الأمان الذي استصدروه من السلطات المختصة، الذي يثبت أنهم ليسوا بإرهابيين .
تجول اللاجئون في أنحاء البيت وأعادوا ذكريات كل قطعة فيه فهذا كان مكان كذا وذلك كذا وفجأة توجه أبو فلسطين بسؤال للمستعمر. لقد تركنا في هذا البيت أمانة فهل لنا استرجاعها؟
طبعا..... طبعا... لقد وجدت بعض الحلي الذهبية وأموال نقدية في هذا البيت. خذها ولتكن تعويضا لك على ما أصابك.
رد عليه أبو فلسطين قائلا: لم أكن اقصد هذا ولا أريده........ لا تعويض ولاغيره. إنما قصدت ابنتي التي تركتها رغما عني.
اخبره المستعمر بعدم رؤيته لهذه الطفلة في البيت. وانه لايستطيع أن يساعده في إيجادها، فقد مر زمن طويل على قصة كهذه . لكن هذا الزمن الطويل لم يردع أبو فلسطين عن حلمه بعودة ابنته إليه.
بينما هما يتجاذبان أطراف الحديث وإذا بفتاة في العشرينات من عمرها تدخل البيت بلباس عسكري، وتحمل بندقية في يدها. ما أن رآها أبو وأم فلسطين حتى وقفا على رجليهما فاغران فميهما من الدهشة. صرخا سويا صرخة مدوية "فلسطييييييييين"!!!!!!!!!!
انتصب المستعمر ليخرجهما من هذه الدهشة ويعيدهما إلى الواقع قائلا: مهلا أيها العربي هذه ليست فلسطين هذه ابنتي "يسرائيلا"
ماذا تقول أيها الرجل؟ انظر إليها كيف تشبه أمها في ملامح الوجه، وخضرة بشرتها. انظر إلى طولها الذي اكتسبته مني. انظر إلى شعرها الأسود الذي نسجه لها ظلام فلسطين. تلك الشفتان لم ترضع إلا لبن عربي. وعدا ذلك هي لا تشبهك فأنت أشقر اللون وهي قمحية اللون!!!!!!!
رد عليه المستعمر قائلا: اجل لقد كان لون جدي قبل ألفين عام قمحي وهي تشبهه . وبهذه الجملة أعلن المستعمر على انتهاء الزيارة .
خرج أبو فلسطين من البيت وقلبه يعتصر ألما، ثم سار في اتجاه البحر. وقف على الرصيف في نفس المكان الذي كان ينتظر فيه رزقه
شكا للبحر همه وخاطبه قائلا: أيها البحر !!!! لقد رأيت ابنتي ولم استطع أن المسها، كان اسمها فلسطين فبدلوه ل"يسرائبلا" كما بدلو أسماء الشوارع. دخلت بيتي وطردت منه بعد ان كنت اقيم فيه الصلاة. أنا مسافر الآن وأريد أن أأتمنك على ابنتي. رجاءا أن تحتضنها حتى يومك الأخير.
أدار أبو فلسطين ظهره للبحر مغادرا، لكنه تحول إليه مرة ثانية، فقد أراد أن يحملّه أمانة أخرى. مد يده إلى رأسه وخلع رمز العروبة من عليه ورمى به إلى البحر، مخاطبا إياه: أنا لم اعد بحاجة لهذه الرموز التي لا تسمن من جوع ولا تروي من عطش. خذها ........وابعث بها إلى غيري فانا صحوت من غفلتي.
عاد أبو فلسطين إلى مخيمه محموم البال، مكسور الخاطر. وضع على رأسه كوفية سوداء، أطلق عليها الكوفية الفلسطينة ليبدأ مشوار جديد، مشوار يكون فيه أمل عودة ابنته بالاتّكال على الله وعلى حجارة من سجيل، وليس على عرب أموات.
عاد يناجي ابنته ويحثها على الصبر، لا بد أن تأتي لحظة العناق وينهزم الاستعمار.
انتظر أبو فلسطين عشرين عاما أخرى حتى نطقت الحجارة، لتعلن انتفاضه هزت عرش الطاغية. اضطرته أن يعترف بحقوق أبي فلسطين في العيش كإنسان لا غير. لكن هذا الاعتراف لن يشبع رغباته انه يريد ابنته التي ضاعت.
وما زال أبو فلسطين ينتظر ويناجي رغم سرعة السنين في دولاب التاريخ. لكنه لم ولن يفقد الأمل بعودة ابنته لأحضانه. فلسطين لن أنساك........ فلسطين أنا أهواك........
احمد حامد صرصور
عمل عتالا في ميناء يافا، يافا ما قبل النكبة، يافا العرب، يافا بساتين الحمضيات، يافا الاستجمام، يافا البحر.
كان كل يوم يسبق الشمس في الظهور على الرصيف. تراه واقفا ينتظر رزقه، ينتظر ما تجود عليه السماء في هذا الميناء.
أطراف دمايته المخططة مقفوعة للخلف لتظهر سرواله الأبيض، وعلى رأسه يحمل رمز العروبة الكوفية البيضاء. يقف شامخ الرأس معتقدا أن هذا الرمز يحميه من أخطار المستقبل المجهول. لن يستطيع احد أن يزحزحه عن بيته ما دامت هذه العروبة على رأسه.
تزوج ثم أنجب طفلة رائعة الجمال، ممشوقة الجسد، رفيعة الوسط، طولها فارع، رأسها عانق جنوب لبنان، ارجلها امتدت لتطال البحر الأحمر، تحتضن بحر يافا، قلبها حنون تشد إليه الرحال.
طلبوا منه أن يدعوها يافا. أجابهم: كلا هذه اكبر من ذلك.هذه ابنه هذا الرمز وأشار إلى رأسه.إنها فلسطين. فلسطين العروبة.
لم يدم الحال أكثر من سنة وإذا بيافا الصامدة أول من تسقط في أيدي المغتصبين لتهوي خلفها اللد والرملة ويصبح اسمها "يافو".
هجرها أهلها بعد حرب حامية الوطيس، استعمل فيها المحتل اعتى أنواع الاسلحه الفتاكة، انه يبحث عن ارض بلا شعب لشعب بلا ارض.
رحل عنها أهلها يحملون معهم مفاتيح بيوتهم. وهاجر أبو فلسطين، هاجر هو وزوجته ولم يتسنى لهما أن يأخذا فلسطين معهما. لقد اضطرا إلى الرحيل بدونها. تركوها لوحدها في البيت. اعتقد أبو فلسطين أن أمها حملتها وخرجت بها. واعتقدت أم فلسطين أن أباها فعل ذلك. لم يتنبها إلى عدم وجودها معهما إلا بعد أن تركوا يافا. لقد أراد العودة لإحضارها لكن أزيز الرصاص ودوي القنابل منعه من ذلك. رحلا على أمل العودة بعد عدة أيام.
تركوا أراضي فلسطين النكبة ولجئوا مع اللاجئين إلى مخيم يقع في أراضي فلسطين النكسة مستقبلا. ينتظرون العودة، فهذه الأيام المعدودة والموعودة طالت على مدار تسعة عشر سنة
كان أبو فلسطين يعد الايام والشهور والسنين لهذه العودة. انه يعيش أسوأ حالات العمر وكل هذا من اجل عيونك يا فلسطين. كان يذهب لأقرب نقطة على الحدود قبالة يافا وكانت سفاح الجبال الشرقية لكفرقاسم وينظر إلى الغرب، إلى هناك حيث ترك ابنته فلسطين. ويناجيها من بعيد. ما عساك فاعلة يا ابنتي، إني اشتم رائحتك أيتها الحورية، صبرا يا ابنتي سيعيدك هذا الرمز إلى أحضاني (وأشار بيده على رأسه).
مرت السنوات في مخيلة أبي فلسطين متزاحمة يناجي ابنته من الحدود الشرقية واذناه مرهفة السمع للمذياع، مذياع الرمز مذياع صوت العرب الذي كان يصرخ ليل نهار: إنا راجعون إنا راجعون. لن نتأخر..... فلسطين. وهذا كان سلوان أبي فلسطين، كان المخدر الذي يهدئ أعصابه.
ومضت تسعة عشر سنوات، دقت طبول الحرب وارتفعت شعارات رمز العروبة. هنيئا لك يا سمك، يا أبا خالد يا حبيب..بكرة سندخل تل أبيب... وخرجت صواريخ الظافر والقاهر من المذياع فقط لتدق المحتل، وتهيىء الطريق لعودة أبي فلسطين، الذي هرع إلى مكان المناجاة على الحدود. يهتف باسم العروبة وكله شوق وحنين لمعانقة فلسطين، يحمل في يده المذياع الذي كان يبث له بشرى عودة فلسطين إلى أحضانه ولكن.......سرعان ما انطفأت ابتسامته ......ما هذا المذياع اللعين، يصرخ بأعلى صوته إننا منتصرون، وعيناي ترى المحتل يحدث لنا النكسة. من الصادق أنا أم هذا الصندوق اللعين؟
رفع أبو فلسطين صندوق العروبة الكاذبة بكلتا يديه إلى أعلى، ورمى به بكل ما أوتي من قوة إلى هاوية التاريخ. لم يتأثر أبو فلسطين من الصدمة. وليكن نكبة.....ونكسة..... ولا مانع أن يكون أكثر من هذا....... فانا صابر ومرابط.
انتهت حرب النكسة. وصحى اامنكوسون من ذهولهم. واستصدر المسكين أبو فلسطين تصريح زيارة له ولزوجته من السلطات المختصة لزيارة بيته في يافا، للبحث عن ابنته فلسطين.
تسعة عشر عام خلت والحنين والشوق يلازمه لمعانقة ابنته. وهاهو الآن يعود لأراضي النكبة. ليس منتصرا بل بعطف السلطات وتكرمهم عليه. سار في شوارع فلسطين وعيناه تتلقف كل شجرة، بيت، جبل، سهل. يحاول أن يجمع في مخيلته ذكريات مرّ بها هذه البلد الفلانيه. يا للعجب إنها أطلال!!!!! أين سكانها؟ وكان يجيب نفسه بنفسه. إنهم سكان مخيم الفارعة. وتلك القرية سكان مخيم الجلزون. وتلك وتلك وتلك....
أقبلت السيارة على مشارف مدينة يافا، وكان متخيلا انه سيشم رائحة أشجار الحمضيات. لكن هيهات!!!!!!! كيف ذلك وقد قطعت، ونبت على أنقاضها بيوت مدينة تل أبيب.
بدأت السيارة تغوص في أعماق يافا، واعين أبو فلسطين وزوجته تتنقلان ذات الشمال وذات اليمين. ليستوعبا ما حل ليافا في التسعة عشر سنة الماضية. يحاولا رؤية كل منظر وربطه بسلسلة الذكريات، فكانا في كل لحظة يطلبان من السائق التمهل.
هاهي رائحة البحر ما زال يروجها من حوله، انه اقوي من جبروتهم. هاهو برج ساعة يافا ما زال صامدا أمام أمواج البحر، يرقب المسجد الكبير الذي تحول لمركز شرطة مخمرة ومتاجر. تحولت أسماء الشوارع إلى العبرية، فأصبح شارع يافا الرئيس "ييفت"
وفجأة صرخ أبو فلسطين في اتجاه السائق " ادخل من هنا!!!! ادخل من هنا!!!!!!! هذا الزقاق يؤدي إلى حينا. هاهو مرتع الطفولة وراعي الشباب . هنا أقيمت أفراح زواجي سبعة أيام. قف أيها السائق فخلف هذه البناية يقع بيتي ولا أريد أن آتيه راكبا.
ترجل أبو فلسطين واقفا غير واقف فقد بدلت كل أعضاء جسمه وظائفها. القلب يخفق بشدة، الارجل لا تستطيع حمله، الأيدي ترتجف والعين تذرف الدموع. في هذه اللحظة بعث البحر بهوائه ليعانق ذلك الصديق القديم، فأصابه بقشعريرة باردة اصطكت لها الأسنان وارتجفت الابدان.
سارت الارجل تحمل ما عليها من جثث في اتجاه القلب المنشود والبيت الموعود. لطالما حلم برؤيته وهو في مكان المناجاة. هاهو الآن على بعد خطوات معدودة عن اعز ما ملك. في أي حال سيرى بيته؟ وأين سيجد ابنته؟
ما أن أصبح البيت في مرمى النظر حتى رأيت أبي فلسطين يركض في اتجاهه. فقد شحن بقوة غير طبيعية استمدها من قوة صموده. وصل البيت ليخرج مفتاحه ويلجه في باب بيته. لكن المفتاح يأبى الدخول. تغير مصراع الباب، فليس باستطاعته الانتظار كل هذه المدة.
فتح الباب بعد طرقه وأجابه صوت المستعمر. نعم من أنت؟ وماذا تريد؟
تلعثم أبو فلسطين في الاجابه التي سرعان ما جاءت. أنا صاحب هذا البيت. ضحك المستعمر بقهقه جعلت أبو فلسطين يتذكر أزيز الرصاص ودوي قنابل التهجير. انه لا يستطيع عمل شيء سوى أن يكتم مشاعره، انه الآن لا يريد البيت بل ابنته.
سمح المستعمر للضيوف بالدخول، ليس محبة بهم بل ليعطيهم فرصه اشفاء الغليل برؤية بيتهم، على أن لا يعودوا مرة أخرى وبعد أن تأكد من حملهم تصريح الأمان الذي استصدروه من السلطات المختصة، الذي يثبت أنهم ليسوا بإرهابيين .
تجول اللاجئون في أنحاء البيت وأعادوا ذكريات كل قطعة فيه فهذا كان مكان كذا وذلك كذا وفجأة توجه أبو فلسطين بسؤال للمستعمر. لقد تركنا في هذا البيت أمانة فهل لنا استرجاعها؟
طبعا..... طبعا... لقد وجدت بعض الحلي الذهبية وأموال نقدية في هذا البيت. خذها ولتكن تعويضا لك على ما أصابك.
رد عليه أبو فلسطين قائلا: لم أكن اقصد هذا ولا أريده........ لا تعويض ولاغيره. إنما قصدت ابنتي التي تركتها رغما عني.
اخبره المستعمر بعدم رؤيته لهذه الطفلة في البيت. وانه لايستطيع أن يساعده في إيجادها، فقد مر زمن طويل على قصة كهذه . لكن هذا الزمن الطويل لم يردع أبو فلسطين عن حلمه بعودة ابنته إليه.
بينما هما يتجاذبان أطراف الحديث وإذا بفتاة في العشرينات من عمرها تدخل البيت بلباس عسكري، وتحمل بندقية في يدها. ما أن رآها أبو وأم فلسطين حتى وقفا على رجليهما فاغران فميهما من الدهشة. صرخا سويا صرخة مدوية "فلسطييييييييين"!!!!!!!!!!
انتصب المستعمر ليخرجهما من هذه الدهشة ويعيدهما إلى الواقع قائلا: مهلا أيها العربي هذه ليست فلسطين هذه ابنتي "يسرائيلا"
ماذا تقول أيها الرجل؟ انظر إليها كيف تشبه أمها في ملامح الوجه، وخضرة بشرتها. انظر إلى طولها الذي اكتسبته مني. انظر إلى شعرها الأسود الذي نسجه لها ظلام فلسطين. تلك الشفتان لم ترضع إلا لبن عربي. وعدا ذلك هي لا تشبهك فأنت أشقر اللون وهي قمحية اللون!!!!!!!
رد عليه المستعمر قائلا: اجل لقد كان لون جدي قبل ألفين عام قمحي وهي تشبهه . وبهذه الجملة أعلن المستعمر على انتهاء الزيارة .
خرج أبو فلسطين من البيت وقلبه يعتصر ألما، ثم سار في اتجاه البحر. وقف على الرصيف في نفس المكان الذي كان ينتظر فيه رزقه
شكا للبحر همه وخاطبه قائلا: أيها البحر !!!! لقد رأيت ابنتي ولم استطع أن المسها، كان اسمها فلسطين فبدلوه ل"يسرائبلا" كما بدلو أسماء الشوارع. دخلت بيتي وطردت منه بعد ان كنت اقيم فيه الصلاة. أنا مسافر الآن وأريد أن أأتمنك على ابنتي. رجاءا أن تحتضنها حتى يومك الأخير.
أدار أبو فلسطين ظهره للبحر مغادرا، لكنه تحول إليه مرة ثانية، فقد أراد أن يحملّه أمانة أخرى. مد يده إلى رأسه وخلع رمز العروبة من عليه ورمى به إلى البحر، مخاطبا إياه: أنا لم اعد بحاجة لهذه الرموز التي لا تسمن من جوع ولا تروي من عطش. خذها ........وابعث بها إلى غيري فانا صحوت من غفلتي.
عاد أبو فلسطين إلى مخيمه محموم البال، مكسور الخاطر. وضع على رأسه كوفية سوداء، أطلق عليها الكوفية الفلسطينة ليبدأ مشوار جديد، مشوار يكون فيه أمل عودة ابنته بالاتّكال على الله وعلى حجارة من سجيل، وليس على عرب أموات.
عاد يناجي ابنته ويحثها على الصبر، لا بد أن تأتي لحظة العناق وينهزم الاستعمار.
انتظر أبو فلسطين عشرين عاما أخرى حتى نطقت الحجارة، لتعلن انتفاضه هزت عرش الطاغية. اضطرته أن يعترف بحقوق أبي فلسطين في العيش كإنسان لا غير. لكن هذا الاعتراف لن يشبع رغباته انه يريد ابنته التي ضاعت.
وما زال أبو فلسطين ينتظر ويناجي رغم سرعة السنين في دولاب التاريخ. لكنه لم ولن يفقد الأمل بعودة ابنته لأحضانه. فلسطين لن أنساك........ فلسطين أنا أهواك........
ياسمين جوما- عدد الرسائل : 5
تاريخ التسجيل : 10/12/2014
رد: قصص أدبية جميلة
العميل رقم........7
حمدي خليل مصطفى كراجة.
في إحدى القرى(الفلسطينية) يقع بيت صغير في أطراف القرية، تحيطه أشجار الصنوبر من كل مكان وتكسوه بعض الأعشاب التي تنمو بين أحجار ذاك البيت(الصامت)، ولد طفل صغير في ليلة باردة شديدة الظلمة على أصوات العويل والرصاص، التي تطورت مع تحول ذاك الصغير إلى شخص يواجه واقعاً مريراً كغيره من(الفلسطينيين) ألا وهو الاحتلال، لكنه وكبقية الخلق حاول ممارسة حياته بشكل طبيعي، إلا أنه وجد نفسه وحيداً يواجه واقعاً مختلفاً غير كل خطوة مرسومة قد تمنحه فرصة تحقيق جزء من حلم، فما بقي من تلك الأحلام سوى الذكرى، فأصبح ذلك بالنسبة له كورقة صفراء تنتظر نسمات البحر كي تريحها من مقارعة الرياح، فانهارت قواه وأصبح انساناً هشاً هزيلاً لا يقوى على مواجهة(ذبابة)، والأبلى من ذلك أنه كلما حدثت حادثة في القرية صغيرة كانت أم كبيرة كان هو المتهم الأول، فضاقت الدنيا عليه وأصبحت تحاصر كل بارقة أمل قد تثلج صدره،
وتحولت إلى سجان يحكمه قائلاً لا تحاول فهو(مكتوب عليك)، فينظر إلى نفسه في المرأة متسائلاً؟أكل ذلك لأني (فلسطيني) وبعد لحظة يصحح نفسه قائلاً لكن غيري ما زال يحقق، فتوصل في النهاية لقناعة بأن الدنيا قد أدارت له ظهرها ولم يتبقى شىء مرجوا تقدمه، فلم يجد سوى أحلام الليل علها تزرع ابتسامة على شفتيه ولو برهة لكنه لم يرى غير الكوابيس التي تقلقه بين الفينة والأخرى فيصيح بأعلى صوته، ماذا فعلت؟
فلا من مجيب سوى أصداء الصوت التي تترامى بين جدران البيت المتعرق، ففي يوم من الأيام وفي ليلة تشبه إلى حد ما الليلة التي ولد فيها وفي تمام الساعة(3:30) فجراً أحد ما يقرع الباب بدقات متلاحقة، وما كان منه إلا أن ذهب معانقاً زاوية الغرفة ظاناً منه بأنها ستحميه من خطر مرتقب، وفجأة اختفى الصوت فتنفس(الصعداء) فهم متوجهاً إلى الفراش، فما أن وضع جسده الهزيل على ذاك السرير المهترئ إلا وعادت الأصوات من جديد، فقال بصوت بائس(من الطارق)؟ فلا من مجيت، فتوجه مسرعاً إلى شق صغير في وسط الباب عله يتعرف مصدر الصوت, فما كان منه إلا أن رأى جنوداً تلتف على أكتافهم بنادق محشوة برصاص متفجر، فسقط على ركبتيه قائلاً، أتركوني وشأني أنا لم أفعل لكم شيئاً، فسمع صوتاً واثقاً افتح لن(نؤذيك).
فسار إلى الباب بخطوات ثابتة ومد يده المرتعشة إلى مفتاح البيت فبدأ يفتح الباب بتردد حتى وجد نفسه واقفاً وجهاً لوجه أمام(خمسة) جنود يتقدمهم(ضابط)، بوجه شاحب يدل على تعاسة هذا المخلوق، وبعد وقوف(صامت) دام بضع دقائق دخل الضابط إلى وسط الغرفة ينظر إليها يميناً وشمالاً حتى استقرت عينيه على وجه الرجل قائلاً بتهكم واشمئزاز، أهذا مكان يسكنه بنو البشر حتى أنه لا يصلح أن يكون ملجأ لقط هارب، فرد الرجل متناسياً قوة ذلك الضابط وما شأنك أنت؟فضحك الضابط ضحكة مصطنعة مشيرا الي بيت قريب مكون من طابقين سأجعلك تملك ضعف ما تراه فما أن أكمل الضابط كلامه إلا وملأت ضحكات ذاك الرجل زوايا الغرفة الفارغة ثم توقف عن الضحك سائلا باستغراب، هل يعقل للسجان أن يصبح قاضيا؟ فأجاب الضابط بثبات(ولم لا)، ثم قال الرجل ما الذي تريدونه بالتحديد؟ أجاب الضابط اتبعنا وستعرف الإجابة، فلم يكن من الرجل سوى انه وافق على ذلك لأنه يعلم جيدا بان رفضه سيوقعه في حفرة لها أول ما لها آخر، لكنه لم يصدق ما تحدث حوله الضابط فظن انه سيجد نفسه ممدا على أرضية زنزانة معتمه متعفنة تنهش جسده الهزيل رطوبة المكان، ولكن بمجرد دخوله غرفة رئيس(الموساد) تبدد كل ما اعتقد بأنه سيراه من ألوان العذاب، فرأى شيئا لم يكن يراه حتى في الأحلام الكاذبة، كوب دافئ من اللبن، وتحية جندي، إضافة غالى رزمة من المال لا يستهان بها موزعة على زوايا المكتب فكان ينظر إليها متلهفا نتيجة ما رآه من ظلم وحرمان، لكنه تذكر بان كل ما يراه له ثمن، فبدون مقدمات وجه سؤالا خاطفا لرئيس الموساد قائلا ما هو(الثمن)؟
فرد الرئيس وهو يضع قدميه على أطراف المكتب ويداه مشبوكتان خلف رأسه(نريد ..تعاونك)، ولك كل ما تتمنى حتى إننا سنميزك عن بقية أصدقائك، ونطلق عليك(العميل رقم 7) وفيما بعد سنعينك قائدا لفرقة المستعربين، فرد الرجل قائلا امنحني فرصة قصيرة للتفكير، ولكنه في الحقيقة كان قد حسم هذا العرض المغري منذ البداية، ولكنه طلب التفكير كي يجد طريقة للتخلص من ذلك الكابوس دون أن يثير انتباه تلك الذئاب، إلا انه لم يجد سوى الرفض الصريح ومن دون تردد، وما هي إلا لحظات قليلة إذ يتحقق ما قد توقعه، فما كان ما رآه من نعيم ليس إلا سراباً كما الصحراء فلما اقترب منه تبين له بأنه وهم متبدد، ثم بدأت ألوان العذاب تنهال عليه من كل صوب واتجاه كي يغير قراره، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا مع إصرار ذاك الرجل حتى غاب عن الوعي، فما كان من رئيس الموساد إلا أن أمر بوضعه في غرفة تملؤها وحوش رخيصة، فاستفاق من غيبوبته يشاهد جسده المترهل في وسط غرفة تحوي مجموعة من الذئاب التي تنتظر فريستها بلهفة كبيرة،
فأدرك الرجل بأن هناك مكيدة مدبرة ضده لإكراهه على التواطؤ، ثم حاول أن يفعل شيئا لكنه لا يقوى على الحراك من شدة ما حل به من عذاب، فلم يكن منه إلا أن يرى جسده عاريا تفترسه تلك الوحوش، ثم غاب عن الوعي مجددا، وبعد سويعات من ذلك المقطع، نقل إلى غرفة رئيس (المخابرات)وإذ به يرى هذه المرة صورا(قذرة) تنتشر على سطح ذاك المكتب بدلا من رؤية تلك الأوراق الثرية، فقال الرئيس بكل غيض(الم يثنك كل هذا)، فرد واثقا(لا..والموت أفضل) فتبسم الرئيس قائلا بصوت هادئ إذن فأنت لا تبالي بان تعلق هذه الصور على أسوار القرية، فأجاب الرجل والحسرة تظهر في صوته(لن يصدقها احد)، فلم يكن بوسع الرئيس إلا أن قال(متبجحا) وكيف للسمكة أن تعرف ما وراء الطعم، فنهض الرجل عن الكرسي مادا يده كي تفك السلاسل قائلا لا يبالي(افعل ما يحلو لك)، فنقل الأخير بجيب عسكري وألقي به في احد زوايا البيت كأنه كيس من القمامة, فلم يكن أمامه إلا أن يزحف بجسده الموشى باللون الأحمر إلى باب البيت حالما بذاك السرير المتقوس, لكن حلمه قد راوح مكانه ممددا على فراش اخضر، وفي المقابل الدقائق تمر بسرعة لتكشف في اليوم التالي عن حقيقة مزيفة، فما أن صاح الديك مبشرا بيوم جديد وشق شعاع الشمس نوره مارا من فوق عيني الرجل إلى وسط القرية موقظةً قلوبا لا ترحم، ولم يكد ذاك الرجل أن يصحو من ليلة كان لكل دقيقة فيها ثمن إلا وبه يشاهد نفسه محاصرا بين وجوه عابسة وجباه مشدودة، وإذا به يقف ثابتا كشجرة تصارع قوة الرياح مدافعا، أرجوكم لا تظلموني، ولكن من يصدق، فبدأت الأصوات تعلو والكل يدلي برأيه،
فأحدهم نادى بقتله، والبعض نادوا بدفنه حيا، ولكن كان هناك من يشعر بصدق هذا الرجل ولحسن الحظ كان مختار القرية، فاقترب منه بتعابير وجه تدل على التعاطف مع هذا الرجل، ثم توجه بنظره إلى جموع الناس، حاكما بنفي هذا الرجل لقرية حدودية لم يسمع بحروفها، فأثار ذلك استهجان الحاضرين، ولكنه القرار، ومن هنا تحول إلى منعطفا جديدا في مسيرة هذا الرجل وغلب عليه طابع من الشؤم والنفور والانعزال الكلي عن كل من يحيطه من كائنات، فبعد سنتين من الحادثة وفي يوم مشمس وجميل، نشرات الأخبار تعلن والصحف تكتب، عن وقوع عملية(انتحارية) في احد الثكنات العسكرية راح ضحيتها ستة جنود اضافة للمنفذ، والفاجعة الكبرى وبعد ساعات من وقوع العملية تم الكشف عن المنفذ فكان هو(العميل رقم7) فكانت كصاعقة تنزل من السماء، صعقت عقول أهل القرية التي نشا فيها، فلكثير ما زال يشكك، لكن يبدو بأنه حان لتلك الشيفرة المعقدة أن تنفك كاشفة صورة المنفذ على وسائل الإعلام وعرض شريطاً عن تفاصيل الإكراه التي تعرض لها، وتم تسريبه من خلال نفس الضابط الذي طرق بابه بسبب خلاف بينه ورئيس المخابرات، فثبتت الحقيقة وتبين الظالم من المظلوم، وكانت المكافأة أن شيع جثمانه شهيدا بمشاركة لم يسبق لها مثيل، حتى انه سطر في التاريخ اسما وكتب عنه المفكرون والأدباء وأصبحت قصته أسطورة حقيقية تتناقلها كل الأجيال...
حمدي خليل مصطفى كراجة.
في إحدى القرى(الفلسطينية) يقع بيت صغير في أطراف القرية، تحيطه أشجار الصنوبر من كل مكان وتكسوه بعض الأعشاب التي تنمو بين أحجار ذاك البيت(الصامت)، ولد طفل صغير في ليلة باردة شديدة الظلمة على أصوات العويل والرصاص، التي تطورت مع تحول ذاك الصغير إلى شخص يواجه واقعاً مريراً كغيره من(الفلسطينيين) ألا وهو الاحتلال، لكنه وكبقية الخلق حاول ممارسة حياته بشكل طبيعي، إلا أنه وجد نفسه وحيداً يواجه واقعاً مختلفاً غير كل خطوة مرسومة قد تمنحه فرصة تحقيق جزء من حلم، فما بقي من تلك الأحلام سوى الذكرى، فأصبح ذلك بالنسبة له كورقة صفراء تنتظر نسمات البحر كي تريحها من مقارعة الرياح، فانهارت قواه وأصبح انساناً هشاً هزيلاً لا يقوى على مواجهة(ذبابة)، والأبلى من ذلك أنه كلما حدثت حادثة في القرية صغيرة كانت أم كبيرة كان هو المتهم الأول، فضاقت الدنيا عليه وأصبحت تحاصر كل بارقة أمل قد تثلج صدره،
وتحولت إلى سجان يحكمه قائلاً لا تحاول فهو(مكتوب عليك)، فينظر إلى نفسه في المرأة متسائلاً؟أكل ذلك لأني (فلسطيني) وبعد لحظة يصحح نفسه قائلاً لكن غيري ما زال يحقق، فتوصل في النهاية لقناعة بأن الدنيا قد أدارت له ظهرها ولم يتبقى شىء مرجوا تقدمه، فلم يجد سوى أحلام الليل علها تزرع ابتسامة على شفتيه ولو برهة لكنه لم يرى غير الكوابيس التي تقلقه بين الفينة والأخرى فيصيح بأعلى صوته، ماذا فعلت؟
فلا من مجيب سوى أصداء الصوت التي تترامى بين جدران البيت المتعرق، ففي يوم من الأيام وفي ليلة تشبه إلى حد ما الليلة التي ولد فيها وفي تمام الساعة(3:30) فجراً أحد ما يقرع الباب بدقات متلاحقة، وما كان منه إلا أن ذهب معانقاً زاوية الغرفة ظاناً منه بأنها ستحميه من خطر مرتقب، وفجأة اختفى الصوت فتنفس(الصعداء) فهم متوجهاً إلى الفراش، فما أن وضع جسده الهزيل على ذاك السرير المهترئ إلا وعادت الأصوات من جديد، فقال بصوت بائس(من الطارق)؟ فلا من مجيت، فتوجه مسرعاً إلى شق صغير في وسط الباب عله يتعرف مصدر الصوت, فما كان منه إلا أن رأى جنوداً تلتف على أكتافهم بنادق محشوة برصاص متفجر، فسقط على ركبتيه قائلاً، أتركوني وشأني أنا لم أفعل لكم شيئاً، فسمع صوتاً واثقاً افتح لن(نؤذيك).
فسار إلى الباب بخطوات ثابتة ومد يده المرتعشة إلى مفتاح البيت فبدأ يفتح الباب بتردد حتى وجد نفسه واقفاً وجهاً لوجه أمام(خمسة) جنود يتقدمهم(ضابط)، بوجه شاحب يدل على تعاسة هذا المخلوق، وبعد وقوف(صامت) دام بضع دقائق دخل الضابط إلى وسط الغرفة ينظر إليها يميناً وشمالاً حتى استقرت عينيه على وجه الرجل قائلاً بتهكم واشمئزاز، أهذا مكان يسكنه بنو البشر حتى أنه لا يصلح أن يكون ملجأ لقط هارب، فرد الرجل متناسياً قوة ذلك الضابط وما شأنك أنت؟فضحك الضابط ضحكة مصطنعة مشيرا الي بيت قريب مكون من طابقين سأجعلك تملك ضعف ما تراه فما أن أكمل الضابط كلامه إلا وملأت ضحكات ذاك الرجل زوايا الغرفة الفارغة ثم توقف عن الضحك سائلا باستغراب، هل يعقل للسجان أن يصبح قاضيا؟ فأجاب الضابط بثبات(ولم لا)، ثم قال الرجل ما الذي تريدونه بالتحديد؟ أجاب الضابط اتبعنا وستعرف الإجابة، فلم يكن من الرجل سوى انه وافق على ذلك لأنه يعلم جيدا بان رفضه سيوقعه في حفرة لها أول ما لها آخر، لكنه لم يصدق ما تحدث حوله الضابط فظن انه سيجد نفسه ممدا على أرضية زنزانة معتمه متعفنة تنهش جسده الهزيل رطوبة المكان، ولكن بمجرد دخوله غرفة رئيس(الموساد) تبدد كل ما اعتقد بأنه سيراه من ألوان العذاب، فرأى شيئا لم يكن يراه حتى في الأحلام الكاذبة، كوب دافئ من اللبن، وتحية جندي، إضافة غالى رزمة من المال لا يستهان بها موزعة على زوايا المكتب فكان ينظر إليها متلهفا نتيجة ما رآه من ظلم وحرمان، لكنه تذكر بان كل ما يراه له ثمن، فبدون مقدمات وجه سؤالا خاطفا لرئيس الموساد قائلا ما هو(الثمن)؟
فرد الرئيس وهو يضع قدميه على أطراف المكتب ويداه مشبوكتان خلف رأسه(نريد ..تعاونك)، ولك كل ما تتمنى حتى إننا سنميزك عن بقية أصدقائك، ونطلق عليك(العميل رقم 7) وفيما بعد سنعينك قائدا لفرقة المستعربين، فرد الرجل قائلا امنحني فرصة قصيرة للتفكير، ولكنه في الحقيقة كان قد حسم هذا العرض المغري منذ البداية، ولكنه طلب التفكير كي يجد طريقة للتخلص من ذلك الكابوس دون أن يثير انتباه تلك الذئاب، إلا انه لم يجد سوى الرفض الصريح ومن دون تردد، وما هي إلا لحظات قليلة إذ يتحقق ما قد توقعه، فما كان ما رآه من نعيم ليس إلا سراباً كما الصحراء فلما اقترب منه تبين له بأنه وهم متبدد، ثم بدأت ألوان العذاب تنهال عليه من كل صوب واتجاه كي يغير قراره، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا مع إصرار ذاك الرجل حتى غاب عن الوعي، فما كان من رئيس الموساد إلا أن أمر بوضعه في غرفة تملؤها وحوش رخيصة، فاستفاق من غيبوبته يشاهد جسده المترهل في وسط غرفة تحوي مجموعة من الذئاب التي تنتظر فريستها بلهفة كبيرة،
فأدرك الرجل بأن هناك مكيدة مدبرة ضده لإكراهه على التواطؤ، ثم حاول أن يفعل شيئا لكنه لا يقوى على الحراك من شدة ما حل به من عذاب، فلم يكن منه إلا أن يرى جسده عاريا تفترسه تلك الوحوش، ثم غاب عن الوعي مجددا، وبعد سويعات من ذلك المقطع، نقل إلى غرفة رئيس (المخابرات)وإذ به يرى هذه المرة صورا(قذرة) تنتشر على سطح ذاك المكتب بدلا من رؤية تلك الأوراق الثرية، فقال الرئيس بكل غيض(الم يثنك كل هذا)، فرد واثقا(لا..والموت أفضل) فتبسم الرئيس قائلا بصوت هادئ إذن فأنت لا تبالي بان تعلق هذه الصور على أسوار القرية، فأجاب الرجل والحسرة تظهر في صوته(لن يصدقها احد)، فلم يكن بوسع الرئيس إلا أن قال(متبجحا) وكيف للسمكة أن تعرف ما وراء الطعم، فنهض الرجل عن الكرسي مادا يده كي تفك السلاسل قائلا لا يبالي(افعل ما يحلو لك)، فنقل الأخير بجيب عسكري وألقي به في احد زوايا البيت كأنه كيس من القمامة, فلم يكن أمامه إلا أن يزحف بجسده الموشى باللون الأحمر إلى باب البيت حالما بذاك السرير المتقوس, لكن حلمه قد راوح مكانه ممددا على فراش اخضر، وفي المقابل الدقائق تمر بسرعة لتكشف في اليوم التالي عن حقيقة مزيفة، فما أن صاح الديك مبشرا بيوم جديد وشق شعاع الشمس نوره مارا من فوق عيني الرجل إلى وسط القرية موقظةً قلوبا لا ترحم، ولم يكد ذاك الرجل أن يصحو من ليلة كان لكل دقيقة فيها ثمن إلا وبه يشاهد نفسه محاصرا بين وجوه عابسة وجباه مشدودة، وإذا به يقف ثابتا كشجرة تصارع قوة الرياح مدافعا، أرجوكم لا تظلموني، ولكن من يصدق، فبدأت الأصوات تعلو والكل يدلي برأيه،
فأحدهم نادى بقتله، والبعض نادوا بدفنه حيا، ولكن كان هناك من يشعر بصدق هذا الرجل ولحسن الحظ كان مختار القرية، فاقترب منه بتعابير وجه تدل على التعاطف مع هذا الرجل، ثم توجه بنظره إلى جموع الناس، حاكما بنفي هذا الرجل لقرية حدودية لم يسمع بحروفها، فأثار ذلك استهجان الحاضرين، ولكنه القرار، ومن هنا تحول إلى منعطفا جديدا في مسيرة هذا الرجل وغلب عليه طابع من الشؤم والنفور والانعزال الكلي عن كل من يحيطه من كائنات، فبعد سنتين من الحادثة وفي يوم مشمس وجميل، نشرات الأخبار تعلن والصحف تكتب، عن وقوع عملية(انتحارية) في احد الثكنات العسكرية راح ضحيتها ستة جنود اضافة للمنفذ، والفاجعة الكبرى وبعد ساعات من وقوع العملية تم الكشف عن المنفذ فكان هو(العميل رقم7) فكانت كصاعقة تنزل من السماء، صعقت عقول أهل القرية التي نشا فيها، فلكثير ما زال يشكك، لكن يبدو بأنه حان لتلك الشيفرة المعقدة أن تنفك كاشفة صورة المنفذ على وسائل الإعلام وعرض شريطاً عن تفاصيل الإكراه التي تعرض لها، وتم تسريبه من خلال نفس الضابط الذي طرق بابه بسبب خلاف بينه ورئيس المخابرات، فثبتت الحقيقة وتبين الظالم من المظلوم، وكانت المكافأة أن شيع جثمانه شهيدا بمشاركة لم يسبق لها مثيل، حتى انه سطر في التاريخ اسما وكتب عنه المفكرون والأدباء وأصبحت قصته أسطورة حقيقية تتناقلها كل الأجيال...
ياسمين جوما- عدد الرسائل : 5
تاريخ التسجيل : 10/12/2014
رد: قصص أدبية جميلة
الحمار المحظوظ
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور
ياسمين جوما- عدد الرسائل : 5
تاريخ التسجيل : 10/12/2014
الاصحابمرحبا بك يا {الاصحاب} في منتديات الاصحاب :: .:+::][ منتديات الأدب والـشـعـر ][::+:. :: القصص والروايات منتدى القصص الواقعية و الأدبية و الحكاية الشعبية .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى